”بيلا الحديدي”.. ”مصححة” جنسيًا بعد سنوات المعاناة بين عالمين
الأكثر مشاهدة
ولدت بين عالمين، وكبرت لا تعرف إلى أين؟، حيث تحيا كبنت وتبرر أمها الأمر بكونه تعلق طفولي بأختها ليس إلا، ويعاملها أبوها على كونها الذكر الذي سجلته شهادة الميلاد، "ما كنتش بتصرف زي الولاد في حاجة"، ورغم كل شيء كانت الطفولة هي المرحلة الأهدأ.
مراهقة صعبة ترويها "بيلا الحديدي"، التي ولدت كأنثى بخلاف عضو ذكري ضامر حسب وصفها، تقول أنها كانت تكره ألعاب الصبيان العنيفة، وتحب العرائس كما اللون الوردي، وأن طفولتها كانت مستقرة مقارنة بانفجار المراهقة، فلم تبل كباقي الذكور في المدرسة الإعدادية، لا شوارب صغيرة، ولا عراك دائم، ولا "تستوستيرون" بداخلها كالذي يفوح في أجواء الفصول، وبدلا من ذلك كان صوتها أنثوي، ووجهها أملس، واستمرت في ارتداء الملابس الواسعة لتخفي ما بدا تحتها. عانت من التشتت، فلم تستطع أن تصاحب رفاق الفصل الذين سخروا منها في كل وقت، وكانت صداقة البنات غاية لا تدرك بسبب خانة النوع، وحتى مشاعرها العاطفية اتجهت ناحية أحد زملائها لكنها لم تصرح مخافة العواقب.
الوحيدة التي صارحتها بحقيقة ما تشعر كانت أختها طبيبة النساء، التي من المفترض تعرف حالتها طبيًا، ونصحتها الشقيقة بإخبار والديها بالأمر، وهو ما لم يعيروه أي اهتمام في البداية، ثم توجها إلى طبيب أثبتت التحاليل التي طلبها أن من حسبوه ذكرًا، اتضح أنه مزدوج الجنس وهو ما يتعدى كونه مجرد اضطراب نفسي، فهناك تشوه عضوي يؤثر على الشخصية، ويحتاج إلى عملية جراحية لتصحيح الجنس الغالب على الآخر، وذلك ما رفضته أسرتها تمامًا، فكيف للذكر الذي أنجبوه أن يصبح أنثى. حينها تعرضت بيلا لمحاولة قتل من "الراجل اللي خلفني"، والذي لا تحب أن تدعوه والدها، فاقتحم عليها غرفتها ممسكًا سكينًا مرددًا: "عملت إيه يا رب في دنيتي علشان أخلف خنثى"، لكن شقيقها ووالداتها منعوه خوفًا عليه لا عليها.
من هنا بدأ فصلًا من العنف المستمر في حياتها، تعرضت لألوان من الضرب بالتناوب من أفراد أسرتها، ومنع من مواصلة الدراسة في الصف الثاني الثانوي، واختفت من تجمعات العائلة وزيارات الأقارب، ووقفوا أمام نشاطها في مجال حقوق الحيوان، فوقفوا حياتها حتى ترضخ لقرار العائلة ورغبتهم في تصحيح جنسها بهرمونات الذكورة، وهو ما حدث.
تصف "بيلا" ما مرت به بسبب العلاج المكثف بالتستوستيرون، بأن الشعر نبت في أنحاء متفرقة من جسمها، وحاولت التماهي مع دور الولد الذي ينسج علاقات عاطفية مختلفة مع البنات، لكن بعد فترة انهار كل شيء بسبب مقاومة جسدها للهرمون، وتسبب لها في التهابات حادة في الكبد والمعدة والقولون، وخضعت على إثره لـ"عملية في محيط البطن" على حد تعبيرها، وأمر الطبيب بالتوقف عن الهرمون، وحين فعلت، عاد الضرب من جديد، واستيقظت يومًا لتجد نفسها مقيدة في سرير بإحدى المصحات النفسية.
تغاضت البنت، التي لم تكمل العشرين من عمرها، عن التحرشات التي طالتها في المصحة، والتلصص عليها أثناء استحمامها، وأقنعت الطبيب بتمام قواها العقلية والنفسية، وألح هو بدوره على أهلها ليأخذوها، "هنا قررت أبدأ العلاج، عرفت معلومات من الأصدقاء والمعارف والإنترنت، والدكتور اللي كنت بروحله في إسكندرية وعملت عملية التصحيح في القاهرة"، عرفت طريقها، وساعدتها تبرعات الأصدقاء وبعض الجمعيات والمعارف في تجميع أموال العملية التي أجرتها من شهور قليلة في إحدى المستشفيات الحكومية والتي لم تود أن تفصح عن تفاصيلها.
تعيش حاليًا في بيتها بالإسكندرية وحيدة، بعدما ترك لها أهلها البيت أثناء تواجدها بالقاهرة لتلق العلاج، "خدوا كل حاجة، هدومي وأوراقي، وحتى التلاجة وحقن الأنسولين اللي باخدها"، أثثت غرفة واحدة من جديد بمساعدة الأصدقاء لتستطع إكمال حياتها، تقول أن 90% من الناس يحسنون معاملتها، ويتفهمون ما مرت به، وأن علاقتها "بمن كانوا عائلتها" انقطعت، حتى شقيقتها الطبيبة لم تعد تتواصل معها، وإلى الآن ما تزال غير قادرة على العمل لأنها لم تكمل تعليمها، وما زالت تحمل بطاقة مسجل بنوعها كلمة ذكر، "المرفوض أبدأ من الصفر علشان أعمل أوراقي من جديد أول ما أتم 21 سنة"، وتحلم بإكمال تعليمها والالتحاق بكلية الفنون الجميلة التي تحبها، وأن تصبح ناشطة حقوقية تنشر الوعي بحقوق الأقليات.
الكاتب
احكي
السبت ٢٤ فبراير ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا